فصل: تفسير الآيات (24- 61):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الثعلبي



.سورة الصافات:

مكية، وهي ثلاثة آلاف وثمانمائة وستة وعشرون حرفاً، وثمانمائة وستون كلمة، ومائة واثنتان وثمانون آية.
أخبرنا كامل بن أحمد المفيد قال: أخبرنا محمد بن جعفر الوراق قال: حدّثنا إبراهيم بن الفضل قال: حدّثنا أحمد بن يونس قال: حدّثنا سلام بن سليم قال: حدّثنا هارون بن كثير الآملي عن زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي أُمامة عن أُبيّ بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ: {والصافات} أُعطي من الأجر عشر حسنات بعدد كلّ جنّي وشيطان، وتباعد عنه مردة الشياطين وبرئ من الشرك، وشهد له حافظاه يوم القيامة أنه كان مؤمناً بالمرسلين».
بسم الله الرَّحْمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 23):

{وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (3) إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5) إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10) فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ (11) بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12) وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ (13) وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (14) وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (15) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (17) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ (18) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ (19) وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ (20) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (21) احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23)}
{والصافات صَفَّا} قال ابن عباس ومسروق والحسن وقتادة: يعني صفوف الملائكة في السماوات كصفوف الخلق في الدُّنيا للصلاة، وقيل: هم الملائكة تصف أجنحتها في الهواء واقفة فيه حتى يأمرها بما يريد، وقيل: هي الطير، دليله قوله: {والطير صَآفَّاتٍ} [النور: 41] وقوله: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطير فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ} [الملك: 19].
والصف: ترتيب الجمع على خط كالصف في الصلاة والحرب.
{فالزاجرات زَجْراً} يعني الملائكة تزجر السحاب وتسوقه، وقال قتادة: هي زواجر القرآن.
{فالتاليات ذِكْراً} يعني جبرائيل والملائكة تتلو كتب الله، عن مجاهد والسدي، وقيل: هي جماعة قرّاء القرآن، وهي كلها جمع الجمع، فالصافة جمع الصاف، والصافات جمع الصافة وكذلك أُختاها، وقيل: هو قسم بالله تعالى على تقدير: وربّ الصافات.
{إِنَّ إلهكم لَوَاحِدٌ} موضع القسم قال مقاتل: لأنّ كفار مكة قالوا: أجعل الآلهة إلهاً واحداً؟ فأقسم الله تعالى بهؤلاء: {إِنَّ إلهكم لَوَاحِدٌ}، وقرأ الأعمش وأبو عمرو وحمزة كلّهم بالإدغام، والباقون بالبيان.
{رَّبُّ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ المشارق} أي مطالع الشمس؛ وذلك أنّ الله تعالى خلق للشمس ثلاثمئة وستين كوة في المشرق، وثلثمائة وستين كوة في المغرب على عدد أيام السنة تطلع كل يوم من كوة منها وتغرب في كوة منها فهي المشارق والمغارب.
حدّثنا أبو محمد الحسن بن أحمد المخلدي إملاءً قال: حدّثنا أبو العباس محمّد بن إسحاق بن إبراهيم الثقفي إملاءً قال: حدّثني إسحاق بن إبراهيم بن عبد الرَّحْمن بن عمر بن منيع صدوق ثقة قال: حدّثنا ابن عليه عن عمارة بن أبي حفصة عن عكرمة قال: قال ابن عباس: إنّ الشمس تطلع كل سنة في ثلاثمائة وستين كوة تطلّع كل يوم في كوة ولا ترجع إلى تلك الكوة إلاّ ذلك اليوم من العام القابل، ولا تطلع إلاّ وهي كارهة، فتقول: ربّ لا تطلعني على عبادك؛ فإني أراهم يعصونك ويعملون بمعاصيك أراهم. قال: أولم تسمعوا إلى ما قال أُمية بن أبي الصلت: حتى تجر وتجلد؟
قلت: يا مولاي وتجلد الشمس؟ قال: عضضت بهن أبيك، إنما اضطره الروي إلى الجلد.
وقيل: وكل موضع شرقت عليه الشمس فهو مشرق، وكل موضع غربت عليه فهو مغرب، كأنه أراد ربّ جميع ما شرقت عليه الشمس.
{إِنَّا زَيَّنَّا السمآء الدنيا بِزِينَةٍ الكواكب} قرأ عاصم برواية أبي بكر {بزينة} منونة {الكواكب} نصباً، يعني بتزييننا الكواكب، وقيل: أعني الكواكب، وقرأ حمزة وعاصم في سائر الروايات {بزينة} منونة. {الكواكب} خفضاً على البدل، أي بزينة الكواكب.
وقرأ الباقون {بِزِينَةٍ الكواكب} مضافة. قال ابن عباس: يعني بضوء الكواكب.
{وَحِفْظاً} أي وحفظناها حفظاً، أو وجعلناها أيضاً حفظاً، وذلك شائع في اللغة {مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ}: خبيث خال عن الخير.
{لاَّ يَسَّمَّعُونَ إلى الملإ الأعلى} كأنه قال: فلا يسمعون. قرأ أهل الكوفة {يَسَّمَّعُونَ} بالتشديد، أي يتسمعون، قال مجاهد: كانوا يتسمعون ولكن لا يسمعون، وهو اختيار أبي عبيد، وقرأ الآخرون بالتخفيف، وهو اختيار أبي حاتم، {إلى الملإ الأعلى} يعني الكتبة من الملائكة في السماء {وَيُقْذَفُونَ}، ويرمون {مِن كُلِّ جَانِبٍ} من آفاق السماء.
{دُحُوراً} يبعدونهم عن مجالس الملائكة، والدحر والدحور: الطرد والإبعاد، {وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ}: دائم، نظيره قوله سبحانه: {وَلَهُ الدين وَاصِباً} [النحل: 52]، وقال ابن عباس: شديد. الكلبي: موجع، وقيل: خالص.
{إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الخطفة}: مسارق فسمع الكلمة، {فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ}: تبعه ولحقه كوكب مضيء قوي لا يخطئه يقتل أو يحرق أو يحيل، وإنما يعودون إلى استراق السمع مع علمهم بأنهم لا يصلون إليه؛ طمعاً في السلامة ونيل المراد كراكب البحر.
{فاستفتهم} فسلهم، يعني: أهل مكة {أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَم مَّنْ خَلَقْنَآ} يعني: من الأُمم الخالية، وقد أهلكناهم بذنوبهم، وقيل: يعني السماوات والأرض وما بينهما.
نزلت في أبي الأسد بن كلدة، وقيل: أُبيّ بن أسد، وسُمّي بالأسدين؛ لشدة بطشه وقوته، نظيرها: {لَخَلْقُ السماوات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس} [غافر: 57] وقوله سبحانه {أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السمآء} [النازعات: 27].
{إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ} أي جيد حر يلصق ويعلق، باليد ومعناه اللازم تبدل الميم كأنه يلزم اليد، وقال السدي: خالص. قال مجاهد والضحاك: الرمل.
{بَلْ عَجِبْتَ} قرأ حمزة والكسائي وخلف {عجبتُ} بضم التاء- وهي قراءة ابن مسعود وابن عباس على معنى أنهم قد حلّوا محل من تعجّب منهم، وقال الحسين بن الفضل: العجب من الله، إنكار الشيء وتعظيمه وهو لغة العرب، وقد جاء في الخبر: عجب ربكم من إلّكم وقنوطكم والخبر الآخر: إنّ الله ليعجب من الشاب إذا لم يكن له صبوة ونحوها، وسمعت أبا القاسم الحسن بن محمد النيسابوري يقول: سمعت أبا عبد الله محمد بن علي البغدادي يقول: سُئل جنيد عن هذه الآية فقال: إنّ الله لا يعجب من شيء، ولكنّ الله وافق رسوله لمّا عجب رسوله، فقال: ف {تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ} [الرعد: 5]. أي هو لما يقوله.
وقرأ الآخرون بفتح التاء على خطاب النبي صلى الله عليه وسلم وهي قراءة شريح القاضي. قال: إنما يعجب من لا يعلم، والله عنده علم كلّ شيء، ومعناه، بل عجبت من تكذيبهم إياك. {وَيَسْخَرُونَ} وهم يسخرون من تعجبّك.
{وَإِذَا ذُكِّرُواْ لاَ يَذْكُرُونَ} وإذا وعظوا لا يتعظون.
{وَإِذَا رَأَوْاْ آيَةً} يعني انشقاق القمر {يَسْتَسْخِرُونَ} يسخرون وقيل: يستدعي بعضهم بعضاً إلى أن يسخر.
{وقالوا إِن هاذآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ * أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَ آبَآؤُنَا} يعني: وآباؤنا {أَوَ} بمعنى الواو {الأولون * قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ}: صاغرون. {فَإِنَّمَا هِيَ} يعني: النفخة والقيامة {زَجْرَةٌ}: صيحة {وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ} أحياء.
{وَقَالُواْ ياويلنا هذا يَوْمُ الدين * هذا يَوْمُ الفصل الذي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ * احشروا الذين ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ} أخبرني الحسن بن محمد المدني قال: حدّثنا محمد بن علي الحسن الصوفي قال: حدّثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال: حدّثنا عمّي أبو بكر قال: حدّثنا وكيع عن سفيان عن سماك، عن النعمان بن بشير عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {احشروا الذين ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ} قال: ضرباءهم، وقال ابن عباس: أشباههم. ضحاك ومقاتل: قرناءهم من الشياطين، كل كافر معه شيطانه في سلسلة. قتادة والكلبي: كل من عمل مثل عملهم، فأهل الخمر مع أهل الخمر، وأهل الزنا مع أهل الزنا، وقال الحسن: وأزواجهم المشركات.
{وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ * مِن دُونِ الله} في الدنيا {فاهدوهم}: فادعوهم، قاله الضحاك، وقال ابن عباس: دلّوهم، وقال ابن كيسان: فدلوهم، والعرب تسمي السائق هادياً، ومنه قيل: الرقية هادية السائق، قال امرؤ القيس:
كأن دماء الهاديات بنحره ** عصارة حنا بشيب مرجّل

{إلى صِرَاطِ الجحيم}: طريق النار.

.تفسير الآيات (24- 61):

{وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24) مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ (25) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27) قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ (28) قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (29) وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ (30) فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ (31) فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ (32) فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (33) إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (34) إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ (36) بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (37) إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ (38) وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (39) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40) أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (41) فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (42) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (43) عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (44) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (45) بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (46) لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (47) وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (49) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (53) قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57) أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60) لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61)}
{وَقِفُوهُمْ} واحبسوهم، يُقال: وقفته وقفاً فوقف وقوفاً. {إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ} قال ابن عباس: عن لا إله إلاّ الله. ضحاك: عن خطاياهم. القرظي: عن جميع أقوالهم وأفعالهم. أخبرني الحسين بن محمد الدينوري قال: حدّثنا عمر بن أحمد بن القاسم النهاوندي قال: حدّثنا محمد بن أيوب قال: أخبرنا محمد بن عقبة قال: حدّثنا أبو حصين بن نمير الهمداني قال: حدّثنا حسين بن قيس الرحبي وزعم أنه شيخ صدوق قال: حدّثنا عطاء عن أبي عمر عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن خمس خصال: عن شبابه فيما أبلاه، وعن عمره فيما أفناه، وعن ماله من أين كسبه، وفيما أنفقه، وما عمِلَ فيما علم».
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا محمد بن الحسن بن صقلاب قال: حدّثنا محمد بن أحمد بن عبد الرَّحْمن بطرسوس قال: حدّثنا أحمد بن خليد قال: حدّثنا يوسف بن يونس الأخطف الأقطس قال: حدّثنا سليمان بن بلال عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان يوم القيامة دعا الله سبحانه بعبد من عبيده فيوقفه بين يديه فيسائله عن جاهه كما يسائله عن ماله».
{مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ} أي لا تنتقمون ولا ينصر بعضهم بعضاً، يقوله خزنة النار للكفار، وهذا جواب أبي جهل حين قال يوم بدر: نحن جميع منتصر.
قال الله سبحانه وتعالى: {بَلْ هُمُ اليوم مُسْتَسْلِمُونَ} قال ابن عباس: خاضعون. الحسن: منقادون. الأخفش: ملقون بأيديهم، وقال أهل المعاني: مسترسلون لما لا يستطيعون له دفعاً ولا منه امتناعاً كحال الطالب السلامة في نزل المنازعة.
{وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ} يعني: الرؤساء والأتباع {يَتَسَآءَلُونَ}: يتخاصمون.
{قالوا} يعني: الأتباع للرؤساء: {إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ اليمين} أي من قِبَل اليمين فتضلوننا عنه، قاله الضحاك، وقال مجاهد: عن الصراط الحق: وقال أهل المعاني: أي من جهة النصيحة والبركة والعمل الذي يتيمن به، والعرب تتيمن بما جاء عن اليمين، وقال بعضهم: أي عن القوة والقدرة كقول الشماح.
إذا ماراية رفعت لمجد ** تلقاها عرابة باليمين

أي بالقوة وغرابة اسم ملك اليمن.
{قَالُواْ} يعني: الرؤساء {بَلْ لَّمْ تَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ بَلْ كُنتُمْ قَوْماً طَاغِينَ * فَحَقَّ عَلَيْنَا} وعليكم {قَوْلُ رَبِّنَآ} يعنون قوله سبحانه: {لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة والناس أَجْمَعِينَ} [السجدة: 13].
{إِنَّا} جميعاً {لَذَآئِقُونَ} العذاب.
{فَأَغْوَيْنَاكُمْ}: فأضللناكم لأنا كنّا {غَاوِينَ} ضالين، قال الله سبحانه: {فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي العذاب مُشْتَرِكُونَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بالمجرمين * إِنَّهُمْ كانوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إله إِلاَّ الله يَسْتَكْبِرُونَ * وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لتاركوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ} يعني النبي صلّى الله عليه وآله وسلم.
قال الله سبحانه رداً عليهم: {بَلْ جَآءَ بالحق وَصَدَّقَ المرسلين * إِنَّكُمْ لَذَآئِقُو العذاب الأليم * وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * إِلاَّ عِبَادَ الله المخلصين * أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ} يعني: بكرة وعشية، كقوله: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً} [مريم: 62].
{فَوَاكِهُ}: جمع الفاكهة، وهي كلّ طعام يُؤكل للتلذذ لا للقوت الذي يحفظ الصحة، يُقال: فلان يتفكّه بهذا الطعام، {وَهُم مُّكْرَمُونَ * فِي جَنَّاتِ النعيم * على سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ}: إناء فيه شراب، ولا يكون كأساً حتى يكون فيه شراب، وإلاّ فهو إناء، قال الأخفش: كل كأس في القرآن فهو خمر {مِّن مَّعِينٍ}: خمر جارية في أنهار طاهرة العيون، ويجوز أن يكون فعيلاً من المعن وهو الإسراع والشدة من أمعن في الأمر إذا اشتدّ دخوله فيه. يعني: خمراً شديدة الجري سريعته.
{بَيْضَآءَ} أي صافية في نهاية اللطافة و{لَذَّةٍ}: لذيذة {لِّلشَّارِبِينَ * لاَ فِيهَا غَوْلٌ} أي إثم عن الكلبي، نظيره {لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ} [الطور: 23]. قتادة: وجع البطن. الحسن: صداع. مجاهد: داء. ابن كيسان: مغص. الشعبي: لا تغتال عقولهم فتُذهب بها، وقال أهل المعاني: الغول: فساد يلحق في خفاء، يُقال: اغتاله اغتيالاً إذا فسد عليه أمره في خفية، ومنه الغول والغيلة وهو القتل خفية.
{وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ} قرأ حمزة والكسائي وخلف: بكسر الزاي هاهنا وفي سورة الواقعة، وافقهم عاصم في الواقعة. الباقون: بفتح الزاي فيهما. فمن فتح الزاي، فمعناه: لا تغلبهم على عقولهم ولا يسكرون، يقال: نزف الرجل فهو منزوف ونزيف، إذا سكر وزال عقله، قال الشاعر:
فلثمتُ فاها آخذاً بقرونها ** شرب النزيف ببرد ماء الحشرج

أي السكران، ومن كسر الزاي فمعناه: لا ينفد شرابهم. يُقال: أنزف الرجل فهو منزوف إذا فنيت خمره.
قال الحطيئة:
لعمري لئن أنزفتمُ أو صحوتمُ ** لبئس الندامى كنتمُ آل أبجرا

{وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطرف}: حابسات الأعين، غاضّات الجفون، قصرن أعينهن عن غير أزواجهن، فلا ينظرن إلاّ إلى أزواجهنّ {عِينٌ} نجل العيون حسانها، واحدتها: عيناء، يُقال: رجل أعين وامرأة عيناء ورجال ونساء عين.
{كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ}: جمع البيضة {مَّكْنُونٌ} مستور مصون. قال الحسن وابن زيد شبههن ببيض النعامة تكنها بالريش من الريح والغبار، وقيل: شبههن ببطن البيض قبل أن يُقشر، وهو معنى قول ابن عباس، وإنما ذكّر المكنون والبيض جمع؛ لأنه ردّه إلى اللفظ.
{فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ} في الجنة. {قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ} في الدنيا. قال مجاهد: كان شيطاناً، وقال آخرون: كان من الإنس. قال مقاتل: كانا أخوين، وقال الباقون: كانا شريكين: أحدهما فطروس وهو الكافر، والآخر يهوذا وهو المؤمن، وهما اللذان قصّ الله حديثهما في سورة الكهف.
{يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ المصدقين} بالبعث؟ {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ}: مجزيون ومحاسبون ومملوكون {قَالَ} الله سبحانه لأهل الجنة: {هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ} إلى النار؟ أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن حبيش قال: حدّثنا أبو القاسم بن الفضل قال: حدّثنا أحمد ابن يزيد المقرئ عن جلاد عن الحكم بن طاهر، عن السدي، عن أبي ملك عن ابن عباس أنه قرأ {هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ * فاطلع} بخفضهما وبكسر اللام، قال: رافعون فرفع، قال ابن عباس: وذلك أنّ في الجنة كوىً فينظر أهلها منها إلى النار وأهلها.
{فاطلع} هذا المؤمن {فَرَآهُ فِي سَوَآءِ الجحيم} فرأى قرينه في وسط النار.
{قَالَ تالله إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ} ما أردت إلاّ أن تهلكوا وأصله من التردّي. {وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّي}: عصمته ورحمته {لَكُنتُ مِنَ المحضرين} معك في النار.
{أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلاَّ مَوْتَتَنَا الأولى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ}، فتقول لهم الملائكة: لا، وقيل: إنما يقولونه على جهة الحديث بنعمة الله سبحانه عليهم في أنّهم لا يموتون ولا يعذّبون، وقيل: يقوله المؤمن على جهة التوبيخ لقرينه بما كان ينكره.
{إِنَّ هذا لَهُوَ الفوز العظيم * لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ العاملون}